زمن الاسراء
نعود بعد ذلك إلى واقعة الإسراء. يقول المؤرخون أنها
وقعت في أواخر الفترة المكية على أقوال منها: إنها حدثت في السنة الثانية
عشرة بعد البعثة أو ربيع من السنة الحادية عشرة أو في ربيع قبل الهجرة
بسنة (ابن مردوية عن ابن عمر، والبيهقي وابن سعد عن أم سلمة)
كما أن
هناك شهادة السيدة عاتكة بنت أبي طالب أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان
يبيت عندها ليلة الإسراء وأنها أول من رَوَى له المصطفى (صلى الله عليه
وسلم) رؤياه. وقد رَوَى عدد من الصحابة ما يؤيد ذلك. لقد ذهب الرسول عند
السيدة عاتكة بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته أم المؤمنين السيدة خديجة.. وكل
ذلك كان بعد السنة العاشرة من البعثة. أي أن الإسراء كان في السنة الحادية
أو الثانية عشرة.
فاصل زمني بين الإسراء والمعراج
إذن هناك
فاصل زمني بين المعراج والإسراء لا يقل عن خمس سنوات، وقد يصل إلى سبع
سنوات. وأن المعراج هو الذي وقع أولاً وفيه فرضية الصلاة، ورؤية الله
تعالى، والوصول إلى سدرة المنتهى والجنة. وأنه ذكر في سورة النجم التي لم
يرد فيها أي ذكر للإسراء. أما الإسراء فقد وقع قُبيل الهجرة، وقد ورد في
سورة الإسراء التي لم يرد فيها أي ذكر للمعراج. فهل يُعقل أن يجتمعا في
رحلة واحدة؟ ولو كان بينهما ارتباط.. فهل يجوز ذِكر أحدهما في سورة دون
إشارة تبين الرابطة بينهما؟
ثم نظرةٌ إلى حديث أم هانئ الذي رواه
محمد ابن إسحاق، والذي جاء في سيرة ابن هشام، وقد رواه عنها سبعة من
المحدِّثين بمتون مختلفة تدور جميعها حول رحلة الإسراء، ويتبين أنه لم يرد
فيه أي ذكر للمعراج. وإذا كانت السيدة أم هانئ هي أول من سمع الخبر من
الرسول (صلى الله عليه وسلم).. فهل يمكن أن يحكي لها الرسول (صلى الله عليه
وسلم) جزءا من رحلته ويغفل أو يخفي عنها الجزء الأكبر والأهم؟ قالت: ما
أُسريَ برسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا وهو في بيتي - نائم عندي تلك
الليلة، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا.
فلما كان قُبيل الفجر
أهَبَّنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم). فلما صلى الصبح وصلينا معه قال:
"يا أم هانئ: لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيتِ بهذا الوادي، ثم جئتُ
بيت المقدس فصليت فيه، ثم صليت الغداء معكم الآن كما ترين. ثم قام ليخرج،
فأخذت بطرف ردائه فتكشف عن بطنه -كأنه قبطية مطوية- فقلت له: يا نبي الله،
لا تحدث بهذا الناسَ فيكذبوك ويؤذوك. قال: (والله لأحدثنهم)... إلخ الحديث.
وهنا
لم يرد أي ذكر على لسان المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ولا على لسان أم
هانيء عن وقائع المعراج. أليس هذا دليلا على أن العروج كان في مناسبة
أخرى؟! وهل من المعقول أن ينسَى الرسول (صلى الله عليه وسلم) أو تنسَى أم
هانئ هذه الواقعة العظيمة؟ اللهم لا.. وإنما شتان ما بين الواقعتين.
وعندما
سمع أهل مكة حكاية الإسراء من الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، ماذا حدث؟
تقول السيدة عائشة: لما عرف الناس خبر إسراء النبي (صلى الله عليه وسلم)
ذهبوا إلى أبي بكر فقالوا: هل لك يا أبا بكر في صاحبك يزعم أنه قد جاء هذه
الليلة إلى بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة؟ فقال لهم أبو بكر: إنكم
تكذبون عليه؟ فقالوا: بلى! هاهو ذلك في المسجد يحدث به الناس. فقال أبو
بكر: والله لئن كان قاله لقد صدق. فما يعجبكم من ذلك؟ فو الله إنه ليخبرني
أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدّقه، فهذا
أبعد مما تعجبون منه! (سيرة ابن هشام)
أليس في هذا الحديث ما يدل
على أن العروج إلى السماء لم يرد في تلك المناسبة على لسان الرسول (صلى
الله عليه وسلم) وأن القوم لم يتحدثوا عنه وهو الأعجب والأبعد حسب قول أبي
بكر الصديق، وهو الأدعى إلى التكذيب والسخرية من جانب الكفار!، واستدلال
أبي بكر كان عن الخبر يأتي من السماء. فإذن موضوع العروج النبوي إلى السماء
لم يكن واردا عندئذ.. وإلا لكان استدلال أبي بكر غير مناسب للمقام.
أما
وقد تبين بجلاء أن الإسراء شيء والمعراج شيء آخر ولم يجتمعا في رحلة واحدة
بل ولا في سنة واحدة، وإنما يفصلهما عدد من السنوات يبلغ ستا أو سبعا..
فقد يتساءل البعض: لماذا إذن جمع بينهما بعض الرواة؟ مع أن القرآن الكريم
لم يجمعهما في سورة واحدة ولو بمجرد الإشارة أو التلميح؟
أفضل إجابة
DWRITE('cf.ratingManager.newControl','followup','2771683b7a55865a00047a5d71643a97',[0, 0, 0, 0, 0, 3],[0, 0, 0, 0, 0, 0],[0, 0, 0, 0, 0, 0],'0','1','1','csuid2','0');
3
خاص منتدى ارجعلى')" class="postlink" target="_blank" rel="nofollow">
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وكان من حديث الإسراء أنه -صلى الله عليه
وسلم - أسري بجسده في اليقظة - على الصحيح - من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى راكبا على البراق بصحبة جبرائيل عليه الصلاة والسلام فنزل هناك،
وصلى بالأنبياء إماما، وربط البراق بحلقة باب المسجد، وقد قيل: إنه نزل
ببيت لحم فصلى فيه ولا يصح عنه ذلك البتة، ثم عرج به من بيت المقدس في تلك
الليلة إلى السماء الدنيا فاستفتح له جبريل ففتح له فرأى هناك آدم أبا
البشر فسلم عليه فرحب به ورد عليه السلام وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى
السماء الثانية فاستفتح له فرأى فيها يحيي بن زكريا وعيسى ابن مريم -عليهما
الصلاة والسلام- فلقيهما فسلم عليهما فردا -عليه السلام- ورحبا به وأقرا
بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الثالثة فرأى فيها يوسف -عليه الصلاة
والسلام- فسلم عليه فرد عليه السلام ورحب به وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى
السماء الرابعة فرأى فيها إدريس فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته، ثم عرج به
إلى السماء الخامسة فرأى فيها هارون ابن عمران فسلم عليه ورحب به وأقر
بنبوته، ثم عرج إلى السماء السادسة فلقي فيها موسى فسلم عليه ورحب به وأقر
بنبوته فلما جاوزه بكى موسى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي؛ لأنه غلام بعث
بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي، ثم عرج به إلى السماء
السابعة فلقي فيها إبراهيم فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته، ثم رفع إلى سدرة
المنتهى ثم رفع له البيت المعمور، ثم عرج به إلى الجبار جل جلاله وتقدست
أسماؤه فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى وفرض
عليه خمسين صلاة فرجع حتى مر على موسى فقال: بم أمرت؟ قال: بخمسين صلاة
قال: إن أمتك لا تطيق ذلك ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فالتفت إلى
جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار أن نعم. إن شئت فعلا به جبريل حتى أتى به
الجبار -تبارك وتعالى- وهو في مكانه هذا نص البخاري في صحيحه.
وفي
بعض الطرق فوضع عنه عشرا ثم نزل حتى مر بموسى فأخبره فقال: ارجع إلى ربك
فاسأله التخفيف فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله -تبارك وتعالى- حتى جعلها
خمسا فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف فقال: قد استحييت من ربي ولكن أرضى
وأسلم، فلما نفذ نادى مناد قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي .
الله
يهدييك يارب